لهذا خُلق آدم -1

اقتضت إرادة الله القائمة بالحكمة في كل خلق وأمر ، أن يكون آدم ختام المخلوقات عهدا بالكون ، وفي نفس الوقت أولاها تشريفا ورعاية في المقدّر، ولأن المعلوم أن ختام العمل هو زبدته وغايته بل وكمال جماله ، فقد كان آدم هو آخر الوجود وسببه وعلّته كذلك

ولما كان آدم خلقا وسطا بين الملائكة والشياطين ، بين النور والنار ، بين الطهارة والرجس ، بين الطاعة والاستكبار ، بين صفات قوله تعالى ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) وقوله تعالى ( إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) ، كان من مقتضيات هذا الخلق الوسط أن يكون فيه سر لا يعلمه إلا خالقه ، حيث احتارت أفهام الملائكة في إيجاد مخلوق على غير مثال عرفوه ولم يكونوا بعد على خبر من مهمته ، قال تعالى ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، قال إني أعلم مالاتعلمون ) ومن ( مالا تعلمون ) هذه ؛ تنبثق كل أسرار الإعجاز في خلق الإنسان ، مما يجعل لهذا المخلوق أثرالخارقة في كل ما يفعل ويترك

ومن هذه الأسرار : أن هذا المخلوق – وهو آدم وذريته – هم الخلق الوحيدون الذين يخطئون ويستغفرون ، ينحرفون عن الصواب ثم ما يلبثون أن يتداركوا أنفسهم ، يغرقون في المعصية ثم يستفيقون على همّة التوبة والأوبة ،، وهذا ليس من خُلُق الملائكة ولا من سلوك الشياطين ، وهو من أسرار تكريم آدم عليه السلام وذريته من بعده

وميزة الإنسان في المعصية والطاعة منبعها تكريمه بالإرادة التي حُرم منها غيره من المخلوقات ، ولذلك فإن كل أفعال الصواب والخطأ هي في حقيقتها ظاهر فعل الإرادة ونتاجه ، لذا فإن فمن الظلم أن نصب العقاب على إنسان لم يتم تربية إرادته ولا الارتقاء بقدرته على الاختيار

إن سر الإنسان في أنه يخطئ ثم يستغفر ، يعتبر كرامة له وليس نقصا من ترتيبه بينالخلق ، لأن هذا الإنسان هو وحده القائم بتكليف الله لأن يكون خليفة الله ، ومن مقتضيات الخلافة أن نعصي ثم نتوب ، وأن ننحرف ثم نعود ، وأن نهبط ثم نرتفع

ومالم نعص فإننا  حينها نظلم إنسانيتنا بجذبها إلى رتبة الملكية ومالها بها قدرة

ومالم نستغفر فإننا نشتط في الطغيان على الشياطين وهو ماليس لنا معه قرار

ولأن هذه الاختبارات تلازم الإنسان مدة معاشه على الأرض ، فقد شرع الله له التوبة وجعلها بابا واسعا لا يغلق إلا عند قيام الساعة ، فمن حقوق الخلافة أن تظل لها فسحة من الأمل تطل عليها بسحائب النور وجلوات الملكوت

فهاهنا كلمات لا تفصل عن بعضها بحال ، هي سر حكاية الإنسان على الأرض

الإرادة – المعصية – الطاعة – التوبة

فلا انطلاق بدونها … ولا طريق خلو من أحمالها

 

 

Leave a comment