الفرار أو المواجهة

( ففروا إلى الله )

إننا ضحايا مخلفات الماضي ، وزيف الحاضر ، و سراب المستقبل

إن ذكرياتنا المشحونة بالنقص والذنب والألم ، تنغّص علينا إرادتنا الواعية في التجاوز ، فما من مرة نعيد فيها كرّ ما مضى إلا وتتصعّد الصدور ضيقا وحرجا لأننا ببساطة يقتلنا الشعور بالعجز ، العجز عن التغيير ، والعجز عن المواجهة

، وحين نرضى أن نضع رؤوسنا بين أقدامنا لنعيش اللحظة والآن ، تهيّج علينا عواصف الرفض والظلم والفقر ، وبما أننا لم نجد ما كنا نتوقع  من أن يكون اليوم فرجا لعسر الأمس نجدنا ندور حول حلقة مفرغة من الطموح وخيبة الأمل ، حتى بتنا نقرّأن كلمة الأمل من أكبر الخدعات التي كرّستنا لخدمة الوهم

وحين نجعل الحلم سبيلا لكسب مزيد من الكذب ، كذب يتوارى خلفه المستقبل ، وحين أن الغموض كلمة السرّ لكل من الكذب والمستقبل ، فإننا نمسي ونصبح سكارى من الخوف والقلق والحرص

هذه هي حياتنا الدنيا ، دنيا لأنها فراغ من الإيمان ،

والإيمان لا يقبع في النصوص الجامدة على صفحات مناظرات العقائد

والإيمان لا يُستخرج من  همهمة السحر والدجل والجهل

والإيمان لا يُباع على أنه  عكاز العاجز ولا مخدر العزيمة

والإيمان لا يُسترزق به  لقمة الفقر ولا  يثمل بكأس الغنى

إن الإيمان هو ما  يجعلنا في فرار دائم .. نفرّ من أنفسنا ، من كل حسابات الزمن ماضيا وحاضرا ومستقبلا

نفر من الدماء والتناقضات والأفكار

إن الفرار هو البلسم وهو في الوقت ذاته الميلاد والفناء

كل ذنب يتطهر بالفرار

كل همّ يُفرج بالفرار

كل حياة تعيد ذاتها حين تفر هاربة من ذاتها

فلنتعلم فن الفرار  لأنه كل اليقين .. وكل الإيمان

 

Leave a comment